بارين كوباني صامدة بروح 19 تموز

"اصطدم أحد الرفاق بالسلك، وانفجرت الألغام الواحدة تلو الأخرى، كانت عيناي لا تبصران، وعندما وضعتُ يداي على عيناي، شعرتُ بأن يداي مبلولتين، وعندما صحوتُ، كنت أرقد في المستشفى، وكان قد مرّ 40 يوماً على ذلك الأمر، وفقدتُ كلتا عيناي".

بارين المنحدرة من كوباني، والتي هرعت لنجدة الشعب في مجزرة قرية برخ بوطان، واصلت نضالها في كوباني التي كتبت اسمها في صفحات التاريخ لـ قلعة المقاومة، وخاضت نضال الحياة على مدى 40 يوماً وفقدت كلتا عيناها.   

 وكانت بارين كوباني التي وُلدت في كنف عائلة وطنية، قد تعرّفت على النضال التحرري الكردستاني قبل الثورة بفضل والداتها، حيث كانت والدتها شاهدة على النضال الذي خاضه القائد عبدالله أوجلان على مدى عقدين من الزمن في سوريا، وسنحت لها الفرصة للتعرف على القائد عبدالله أوجلان في لبنان، وبدروها، نشأت بارين على الاستماع إلى النضال، وفي العام 2014، التحقت بصفوف ثورة روج آفا، وفي تلك المرحلة، تواصلت حملة الشهيد كلهات وكذلك حملة الشهيد روبار قامشلو بالتزامن مع بعض في إقليم الجزيرة لتطهير قرى كوباني وريفها.   

تتوجه إلى قلعة المقاومة كقوة تعزيزات

عندما كانت أخبار تحرير كيري سبي تتوارد ويتم تداولها، كانت بارين في مكان عملها الأول، وتتحدث بارين عن تلك المرحلة على النحو التالي: "كانت هذه ستكون المرة الأولى التي سوف أشارك في الصفوف الأمامية، وبالإضافة إلى ذلك، وصل خبر مفرح آخر إلينا، آلا وهو أن كيري سبي تحررت وباتت حرة، ولم يعد هناك أي عوائق بين كوباني وإقليم الجزيرة، وكانت قوات وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) المتواجدة في كلتا المقاطعتين والتي التقت مع بعضها البعض، ستقوم بالاحتفال من خلال مراسم مهيبة وكانت ستتوجه إلى كوباني على شكل قافلة تعزيزات، وبعد أن تحررت كوباني، أراد الجميع رؤية كوباني المحررة بأم أعينهم، والتي كانت قد أصبحت قلعة المقاومة، وكان الجميع، حتى نحن، ينتابنا الفضول وهو كيف شهدت تلك المدينة الصغيرة مثل هذه المقاومة الكبيرة وذات المغزى، كنا أيضاً جزءاً من تلك المقاومة، لكننا أردنا رؤيتها مرة أخرى بأم أعيننا.

باتت كوباني مكاناً مقدساً

لقد أصبحت كوباني التي ارُتويت بدماء الشهداء مكان مقدساً، ولم نعرف كيف وصلنا إلى كوباني في خضم هذا الحماس، حيث انتهت رحلتنا إلى كوباني في نهاية الساعة الخامسة، وكان الحي 48 أول حي ندخله، حيث كان حياً البيوت فيه مدمرة وينبعث منه رائحة البارود وقد ارتوى ذلك الحي بدماء الشهداء، وكان لدي القليل من الخبرة القتالية، لذلك تم إرسالي إلى كتيبة احترافية، ولكي أصبحت متمرنة ومحترفة، كنتُ استمع إلى حياة الرفاق، وعندما شاركتُ في الأنشطة العسكرية، حاولتُ تطبيق ما سمعته في المعركة، حيث كنا نقيم الخنادق المحصنة بشكل متواصل، فمن جهة كان الجميع متعبون بسبب خوض المعركة ومن جهة أخرى بسبب بناء الخنادق المحصنة، وفي بعض الأحيان كنا لا ننام على مدى أسبوع بأكمله، وفي مرحلة قاسية ومرهقة كهذه، لم يفوت المرتزقة فرصة التسلل نحو صفوفنا".        

تهرع لنجدة الشعب في المجزرة

كان يوم 25 حزيران يوماً حاراً من أيام الصيف، حيث كان الجو حاراً جداً لدرجة أنه لم نكن نعرف إلى أين نلتجئ ونختبئ بسبب الطقس الحار، ووسط تلك الحرارة جاء قائدنا، وقال لنا "لقد دخل المرتزقة إلى كوباني وارتكبوا مجزرة..." بعد التفوه بتلك العبارات، نسينا شيئاً اسمه حر الصيف، وتوجهنا على وجه السرعة إلى قرية برخ بوطان لأن الرفاق كانوا قد قالوا بأن المرتزقة قد دخلوا قرية برخ بوطان، عندما وصلنا إلى مشارف القرية، كانت بعض مجموعات المرتزقة لا تزال موجودة في القرية، حيث كان المرتزقة قد أطلقوا الرصاص بدون رحمة أو شفقة على الجميع دون تمييز امرأة أو طفل، وعندما وصلنا إلى القرية، راينا بأن أهالي القرية كانوا بانتظار وصولنا.      

وكان المرتزقة قد ارتدوا زي وحدات حماية الشعب والآسايش واقتحموا القرية، وفتح أهالي القرية أبواب منازلهم لهم بالقول "هؤلاء رفاق"، حيث استقبلهم أهالي القرية بحفاوة، لكن المرتزقة المتعطشين للدماء أطلقوا النار وقتلوا القرويين واحداً تلو الآخر في منازلهم.   

تم القضاء على جميع أعضاء المرتزقة

لقد أصبحنا في أزقة القرية، وقام أهالي قرية برخ بوطان بالاستدلال والإشارة لنا لأماكن تواجد المرتزقة، حيث تم القضاء على جمع أعضاء المرتزقة بمساعدة القرويين، وبلغ عدد الذين تعرضوا للقتل في المجزرة التي وقعت في قرية برخ بوطان 233 مدنياً وجُرح ما لا يقل عن 273 آخرين.    

وبعد وقوع تلك المجزرة، طفح جرح آخر إلى السطح لأبناء شعبنا الذين لم يلتئم جرحهم بعد من معركة كوباني، حيث كانت بعض العائلات قد أرسلت أبنائها إلى مقاومة كوباني وكذلك أيضاً إلى ثورة روج آفا خلال تلك المجزرة، وكون أننا من أبناء هذا الشعب، فقد فهمنا جيداً آلام وفرح الأمهات والآباء، حيث أصيبت قلوبنا أيضاً بالجراح مع الشعب، ولم نتمكن من حماية الشعب في الوقت المناسب، حيث كان النقد الذاتي لمجزرة برخ بوطان ممكناً مع تحقيق أحلام الحرية لشعب كوباني.

كانت معركة حياة وموت على مدى 40 يوماً

تواصلت عملية تحرير بلدة صرين وقد كنتُ مشاركةً فيها أيضاً، حيث كنا نتقدم خطوة بخطوة، وكان العدو يجرب كل الأساليب والتكتيكات التي بحوزته لعرقلة تقدمنا وكسب المزيد من الوقت، حيث كان يقوم بشكل خاص على زرع الألغام، كما أن الأماكن التي كنا نقيم فيها، كانت مليئة ببقايا الألغام التي زرعوها.

ومع مرور الأيام، كنا نتقدم إلى الأمام، حيث كانت حملاتنا حذرة للغاية، وكنا محاطين بالألغام المزروعة، وعندما كنتُ اجتاز الألغام الواحدة تلو الأخرى، لفت انتباهي اللغم الذي كان أمامي، وعندما اجتزته رأيتُ سلكاً رفيعاً بلون الأرض، والتفتُ إلى الوراء لكي أحذر الرفاق، لكن كان أحد الرفاق اصطدم بالسلك ومن ثم انفجرت الألغام الواحدة تلو الأخرى بشكل متتالي، كانت عيناي لا تبصران، وعندما وضعتُ يداي على عيناي ابتلت يداي، وعندما صحوتُ، كنتُ أرقد في المستشفى، وكان قد مرّ 40 يوماً على ذلك الأمر، وفقدتُ كلتا عيناي، وبعد وقوع الانفجار، فإن الغبار والدخان الذي تصاعد منه، أخفى نفسه في الظلام".